لم يستفد الرئيس مبارك من خطأ زج سلفه السادات بزوجته السيدة جيهان في إدارة الدولة والمشاركة السياسية الفاعلة، رغم أن الأجواء التي وصل في ظلها إلى الحكم بعد حادث المنصة وما سبقه من توتر شمل المجتمع بأثره، كان للسيدة الأولى – كما كانت تسميها وسائل الإعلام – دور كبير في ذلك.
تاريخ الحكم العائلي في الذاكرة الجمعية للشرق الأوسط كله مليئ بالانطباعات السلبية خصوصا في المجتمعات غير القبلية أو العشائرية مثل مصر. لا يمكن لأحد أن يعرف كيف تراجع الرئيس مبارك عن ما بدا منه خلال الشهور الأولى من توليه الحكم من عزل أسرته عن الإدارة، لكنه على أي حال تراجع مثل تراجعه عن رفض الغناء له والإشادة بزعامته وقيادته.
لكن خطورة ما اتجه إليه تزيد كثيرا عما فعله السادات، فالسيدة الأولى ينتهي دورها حتما بانتهاء مرحلة من منحها ذلك اللقب، بينما تصعيده السريع لنجله جمال مبارك ينتهي بتوريثه الحكم.. إنه الانطباع الذي سيتركه وينفيه الرئيس مبارك حتى يومنا هذا ولا أحد يصدق في ظل تمدد النجل السياسي والمسئوليات التنفيذية التي يضطلع بها في الواقع، وهي مسئوليات غير دستورية لأنه لا يتولاها رسميا وإنما يتصرف بها بوضعه الحزبي الذي اختلقه لنِفَسٌ ه بداية من ابتكاره لما يسمى بلجنة السياسات.
من هنا يسميه البعض الرئيس الموازي أو النائب الفعلي للرئيس في ظل الخلو المتعمد للمنصب الذي كان بمثابة وثيقة الاطمئنان لانتقال السلطة بشكل سلس وآمن.
وجود جمال مبارك تسبب في خلق طبقة عشوائية مثل المساكن العشوائية التمددة بطول مصر وعرضها، وهي التي سميتها في مقال الأمس بالطبقة الحاكمة التي أحاطت بشاب قليل الخبرة والتجارب السياسية، كل ما يميزه عن باقي الشباب المصري نشأته في البيت الرئاسي.
لم يكن من المنطقي أن يترك الرئيس لنجله التصرف في قضايا لا يجب أن يعهد بها إلا لرئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس الحكومة، لأن ذلك مخالف للأوضاع الدستورية السليمة إذا كنا نعتقد أننا دولة مؤسسات وقانون بحق.
والنتيجة أن النجل صار مركز قوة مهماً وضروريا للطبقة العشوائية المحيطة به بحكم خشيتها على مصالحها المتضخمة، فنحن هنا أمام طفيليين تحت مسمى رجال أعمال قفزت بهم الصدفة لحكم مصر من وراء ستار.
الحديث عن التوريث الذي بدأ خجولا ثم صار صارخا وصريحا، جاء من هذه الطبقة رغم النفي المتكرر للرئيس والنجل، بل أخذت تلح على المسألة في وسائل الإعلام عبر بعض متصدري المشهد السياسي والفني وعبر رئيس الحكومة نفسه ووزرائه الذين وصلوا إلى مناصبهم بتوريث غير عائلي، فمعظمهم من أصدقاء نظيف أو من خريجي نِفَسٌ الكلية، أو من أصدقاء جمال مبارك من رجال الأعمال.
التوريث غير العائلي الذي استثنى – والحمد لله – وزارتين فقط من أهم وزارات السيادة والأمن القومي لم يترك حتى نهر النيل الذي يعد شريان حياة مصر من آلاف السنين، فقد تم عزل وزير الري السابق الكفؤ محمود أبو زيد بشكل إنقلابي رغم خبرته الدولية المشهود بها في الري والنيل ودول المنبع وقوته ورجاحة فكره، وجاء نظيف بصديقه وخريج دفعته في كلية الهندسة محمد نصر علام ليتولى ملفا معقدا في وقت حساس فضاعت منه الخيوط واختلطت عليه الأمور ووقعنا في الأزمة النيلية الحالية التي يعلم الله وحده كيف سنخرج منها.
المحصلة أن الاضطراب في السلطة والغشاوة التي تحيط بعملية استشراف مستقبلها مرتبط بوجود طبقة حاكمة لن تسلم بسهولة لخليفة آخر غير جمال مبارك، واعتقد وأرجو أن أكون مخطئا أن مبارك الأب ليس في متناوله حاليا إلا الإذعان لها وتحضير طبخة ولاية النجل بانتخابات مباشرة بالشروط التي ينص عليها الدستور حاليا.