فتح شيخ الأزهر بابا للعلمانيين ولجوا منه بقوة لمحاربة أي مظهر إسلامي في مصر. ما وصلت أحلامهم يوما أن يشاركهم رئيس أكبر المرجعيات السنية في العالم هذا الهدف.
وعندما ظهرت المخرجة ايناس الدغيدي في برنامج "البيت بيتك" بتلفزيون الدولة منتقدة انتشار الحجاب واللحى في الشارع المصري، داعية أن يكون الشكل الخارجي غير متدين، لم تتوقع بالطبع أن يناصرها مولانا الامام الأكبر على رؤوس الأشهاد في واقعة الفتاة المنتقبة، لينتشر ذلك في العالم كله، وتحتفي به الأحزاب اليمينية في الغرب، متخذة منه ترخيصا على بياض لوأد المحجبات والمنتقبات وكل الملتزمات بالزي المحتشم من المسلمات!
استغرب أن يهتز مولانا كل هذا الاهتزاز ويظهر فهمه المتحدي على ذاك النحو لفتاة صغيرة احتشمت وسترت ما أمر الدين كل إمراة مسلمة ان تستره، ولا يهتز للعري والعاريات اللاتي يملأن أرضنا وفضائياتنا، والدعارة التي تبيعها الدولة على عينك يا تاجر دون خجل أو قطرة دم أحمر!
القرارات السريعة التي أعقبت واقعة الشيخ والمنتقبة (وشكرا لكل من صحح لي الكلمة) تدل على أن مخططا واسعا يجري تنفيذه في مصر، وأن الحملة المفتعلة على المادة الثانية من الدستور تعطي أكلها وتجني ثمارها.
فما أن أوقع الإمام الأكبر نِفَسٌ ه فيما يتحاشاه على ذلك النحو الفج أكبر أعداء الاسلام، حتى أصدر الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي قرارا بمنع اقامة المنتقبات في المدن الجامعية، وقامت جامعة القاهرة بالتنفيذ فورا بقائمة صادرة من جهات عليا تضمنت طرد 126 طالبة بعضهن يرتدين الحجاب فقط، رغم حصولهن على تقديرات ممتازة في سنوات دراستهن السابقة، وهو المعيار القانوني للالتحاق بالمدينة الجامعية، إضافة لكونهن من غير سكان القاهرة الكبرى، بل من الأقاليم والأرياف!
هل جعل شيخ الأزهر من نِفَسٌ ه رأس حربة الهجوم العلماني على الهوية الإسلامية لمصر؟!..
أتمنى ألا يحدث ذلك، ليس حفاظا على التقدير الذي يجب أن يوليه العالم الاسلامي لشخص الإمام الأكبر، فيبدو أن الشيخ طنطاوي لم يول هذا الأمر أهمية منذ أول يوم دخل فيه باب المشيخة، ولكن حفاظا على ما بقي من الأزهر الذي أراقه الشيخ سنوات طويلة، فأصبح كهلا لا تجدي معه حاليا أي عمليات تجميل!
من أجل ذلك يجب أن يتحرك مجمع البحوث الإسلامية بكامل علمائه، فالأمر لا يحتمل أي تأخير. لا يجب أن يصبح موقف بلد الأزهر من المحجبات شبيها بما يحدث في تونس، حيث تطارد المحجبة في الشارع والمدرسة والجامعة، ولا يتورع أي عسكري شرطة على خلع حجابها علنا.
ما يفعله عسكري الشرطة التونسي فعله فضيلة الإمام الأكبر مولانا الشيخ طنطاوي، فما المانع أن يقلده أمين و"صول" الشرطة عندنا، بل وحتى المستجدين من جنود الأمن المركزي!
عارضت أمس أن تعزل الحكومة شيخ الأزهر، وقلت إن المشكلة نشأت من أنه اعتبر نِفَسٌ ه موظفا في بلاطها، لكني لا أعارض العزل على اطلاقه، وهذه هي مهمة مجمع البحوث الاسلامية، ولائحة الأزهر تتيح له ذلك بأغلبية أعضائه إذا وقع من الإمام الأكبر ما يتعارض مع كرامة المنصب وجلاله وتقديره.
مولانا له سوابق كثيرة كانت تحتم اتخاذ قرار العزل قبل سنوات، لكن المعضلة دائما أنه يجب أن يجتمع جميع أعضاء المجمع وبعضهم من خارج مصر، وأن يتفقوا على هذا القرار بعد دراسة ملف كامل عن أسبابه.
عصبية الشيخ وأقواله وأفعاله لا تعبر عن صحيح الدين ولا تتناسب مع كونه إماما أكبر.. فأين الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وكيف بالجالس على رأس أكبر مرجعية إسلامية أن يكون فظا غليظ القلب إلى الحد الذي يقول فيه لفتاة في عمر حفيدة ابنه إنه يفهم الاسلام أكثر من "اللي خلفوها"!
أتذكر عندما اتصلت هاتفيا بالشيخ قبل سنوات طويلة لأبلغه باختياره مفتيا لمصر، كيف كان هادئا رزينا حكيما وهو لا يكاد يصدق، ربما لأن مؤهلاته في العلم الشرعي لا تكفيه، لكن الدولة اضطرت لذلك بعد أن نضب مخزونها من العلماء الشرعيين كنتيجة لقرار تطوير الأزهر في الستينيات.
واتذكر فيه ملمح أستاذ الأزهر البسيط عندما اتصل بي بعد دقائق فقط من حديثي معه، طالبا إن كان لي معرفة بأحد في التلفزيون، فقد أذاع الخبر، لكن اسمه ورد خطأ، فهو محمد سيد وليس السيد!!
سبحان مغير الأحوال.. لقد أصبح هو السيد و"سي السيد" والحاكم بأمره والمجتهد الوحيد في المؤسسة الأزهرية ومعارضته توجب الطرد والترحيل من جنة الأزهر!